إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

النظام السياسي المغربي ، الدكتور محمد ضريف

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [ درس ] النظام السياسي المغربي ، الدكتور محمد ضريف

    اضغط على الصورة لعرض أكبر.   الإسم:	ضريف.jpg  مشاهدات:	0  الحجم:	35.2 كيلوبايت  الهوية:	1126

    محاضرات الأنظمة الدستورية المقارنة
    القسم الثاني: النظام السياسي المغربي
    الدكتور محمد ضريف



    نتناول النظام السياسي المغربي من خلال أربعة محاور :

    أولا- التجربة الدستورية المغربية .. واشكالية المرجعيات
    ثانيا- مظاهر تغليب المرجعية الحداثية في دستور 2011
    ثالثا- أنواع الديمقراطيات المعتمدة في دستور 2011
    رابعا- طبيعة النظام السياسي المغربي



    أولا- التجربة الدستورية المغربية .. واشكالية المرجعيات

    عندما حصل المغرب على إستقلاله وفي محاولة منه للدخول في العهد الدستوري، كان هناك إنشداد الى مرجعيتين مرجعية تقليدية ومرجعية حديثة.

    كان الانشداد الى المرجعية الحديثة محكوما بالرغبة في بناء نظام مؤسساتي يساعد على الانتقال من الدولة التقليدية إلى الدولة الحديثة كما كان الإنشداد الى المرجعية التقليدية محكوما بالرغبة في الحفاظ على خصوصية التجربة السياسية المغربية التي تمثل فيها المؤسسة الملكية دور المؤسسة الناظمة للتوازنات والضابطة لتنوع المشهد المغربي في مختلف تعبيراته.

    ان هذا الانشداد إلى المرجعية التقليدية والمرجعية الحديثة هو الذي تحكم في مسار التجربة الدستورية المغربية منذ صدور أول دستور بتاريخ 7 دجنبر 1962، وانتهاء بدستور فاتح يوليوز 2011، وقبل الحديث عن نسب ودرجات حضور المرجعيتين في الدساتير الستة المغربية، نشير أولا إلى مكوناتها.

    تتكون المرجعية التقليدية من نظريتين: النظرية الاسلامية في الخلافة و النظرية السياسية السلطانية.

    تحضر النظرية الاسلامية في الخلافة في الدساتير المغربية من خلال التكريس الدستوري لإمارة المؤمنين عبر الفصل التاسع عشر في دساتير 1962 و 1970 و 1972 و 1992 و 1996 وعبر الفصل 41 من دستور فاتح يوليوز 2011، وتترجم النظرية الإسلامية في الخلافة في النظام السياسي المغربي من خلال "البيعة" التي يتلقاها الملك من أهل الحل والعقد ابتداء في اطار "بيعة الانعقاد" قبل أن تليها بيعة هموم الأمة في اطار "بيعة الانقياد".

    تحضر النظرية السياسية السلطانية من خلال مظهرين يتمثل المظهر الاول في دسترة الحكم الوراثي من خلال تحديد ضوابط وراثة العرش وصلاحيات الملك، و يتجلى المظهر الثاني في التنصيص على دور الملك باعتباره "حكما" والوظيفة التحكيمية هي إرث لممارسة المخزن الذي كان يدير السلطة وفق توازنات قبلية تقتضي استحضار "التحكيم" سواء في مستوياته الدنيا المرتبطة بالدور التحكيمي الموكول لشيوخ الزوايا أو في مستوياته العليا المتعلقة بالدور التحكيمي لسلطان "الشريف".

    لم يكن هناك تناقض بين وظيفة "التحكيم" ووظيفة "الحكم"، فالسلطان الحكم، هو في نفس الوقت سلطان حاكم باعتبار أن التحكيم لا يفيد وظيفة سلبية وإنما يفيد وظيفة ايجابية حيث يتمتع السلطان بكامل الصلاحيات بفرض قراراته الناتجة عن التحكيم.

    تتألف المرجعية الحديثة من نظريتين نظرية الحقوق الفردية أو الطبيعية والنظرية الدستورية للجمهورية الخامسة بفرنسا.

    تتأسس نظرية الحقوق الفردية أو الطبيعية التي صاغها كل من "جون لوك" و "جون جاك" و "رسو" على فكرة أن هناك حقوقا للإنسان سابقة في وجودها على وجود الدولة، وأن السلطة السياسية لا تنشأ إلا من أجل حماية هذه الحقوق انطلاقا من مبدئين المساواة والحرية واللذين اختزلهما الفصل الاول من إعلان حقوق الانسان والمواطن الصادر عن الثورة الفرنسية سنة 1789 بالقول: "يولد الناس ويظلون أحرارا ومتساوين في الحقوق".

    إن نظرية الحقوق الفردية أو الطبيعية إعتمدتها كل الدساتير المغربية بدون إستثناء وتوسع فيها الدستور الجديد، دستور فاتح يوليوز 2011 في الباب الثاني المعنون بالحريات والحقوق الأساسية (من الفصل 19 الى الفصل 40).

    تحضر النظرية الدستورية للجمهورية الخامسة بفرنسا في الدساتير المغربية من خلال إستحضار مُقَوِمَي النظام الدستوري المنبثق عن دستور 1958، الذي صاغه الجنرال "شارل دو غول"، والمتمثلين في مركزية رئيس الدولة الذي يمارس صلاحيات واسعة سواء في الظروف العادية أو خلال حالة الاستثناء وتقليص صلاحيات المؤسسة البرلمانية التي تحولت إلى مشَرِعْ إستثنائي في حين أصبحت الحكومة هي المشرع الأصلي، وذلك عبر تحديد مجال القانون وإسناد ماعدا ذلك إلى الحكومة الذي تباشره في إطار سلطتها التنظيمية.

    لقد تعايشت المرجعية التقليدية بمكونيها المتجليين في النظرية الإسلامية في الخلافة والنظرية السياسية السلطانية مع المرجعية الحديثة بمكونيها المتجسدين في نظرية الحقوق الفردية أو الطبيعية والنظرية الدستورية للجمهورية الخامسة، غير أن هذا التعايش لم يضع حدا للتوترات بين المرجعيتين، حيث كانت القوى الحداثية والديمقراطية تطالب بضرورة الإنحياز الى المرجعية الحديثة في اتجاه تكريس الخيار الديمقراطي، كما كانت القوى المحافظة تشدد على ضرورة الحفاظ على الخصوصية المغربية من خلال المرجعية التقليدية.

    عموما يمكن القول إن تطور العلاقة بين المرجعيتين هو أمر مرتبط بتطور مسار التجربة الدستورية المغربية، ذلك أن الدساتير الخمسة بدءا بدستور 1962 وانتهاءا بدستور 1996 التي أطرت ما تسميه بالملكية الأولى قد اتسمت بتغليب المرجعية التقليدية على المرجعية الحديثة، في حين أن دستور فاتح يوليوز 2011 الذي يؤطر تجربة الملكية الثانية يتسم بتغليب المرجعية الحديثة.

    ثانيا- مظاهر تغليب المرجعية الحديثة في الدستور المغربي الجديد

    تتسم الملكية الثانية التي يؤطرها دستور فاتح يوليوز 2011 بتغليب المرجعية الحديثة على المرجعية التقليدية، ويعبر هذا التغليب للمرجعية الحديثة عن نفسه من خلال مجموعة من المظاهر سنشير الى أربعة منها.

    يتجلى المظهر الأول في تحديد مصدر مشروعية التمثيل الديمقراطي، فمعلوم أن الدساتير التي أطرت الملكية الأولى باستثناء دستور 1962 كانت تؤسس لصنفين من التمثيلية: تمثيلية دنيا تعود لممثلي الأمة في البرلمان، وتمثيلية عليا ترتبط بالملك الذي كان يعتبر حسب الفصل 19 من دساتير 1970 و 1972 و 1992 و 1996 الممثل الاسمى للأمة، مع التذكير بأن اعتبار الملك ممثلا أسمى للأمة لم تكن متضمنة في الفصل 19 من دستور 1962 وإنما اضيفت ابتداء من دستور 1970.

    إن تكريس صنفين من التمثيلية كان يفيد الاعلاء من التمثيلية المرتكزة على المرجعية التقليدية انطلاقا من المشروعية الدينية والمشروعية التاريخية للملك، غير أن الدستور الجديد، دستور فاتح يوليوز 2011 حذف المقتضى الذي يعتبر الملك ممثلا أسمى للأمة، حيث ينص الفصل 42 على إعتبار الملك رئيسا للدولة وممثلها الأسمى ورمز وحدة الامة.

    يضع دستور فاتح يوليوز 2011 حدا لثنائية التمثيلية وذلك عبر مدخلين يتعلق المدخل الأول بالتنصيص الدستوري على كون الملك ليس ممثلا أسمى للأمة وإنما هو ممثل أسمى للدولة، ويرتبط المدخل الثاني بما ورد في الفصل الثاني من الدستور على كون "السيادة للأمة تمارسها مباشرة بالإستفتاء وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها (و) تختار الامة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم"، وتأكيدا لهذا المقتضى تنص الفقرة الاولى من الفصل الحادي عشر من الدستور على أن "الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي".

    يتجسد المظهر الثاني في تحويل القضاء إلى سلطة مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية.

    لم تتحدث الدساتير الخمسة المؤطرة للملكية الأولى عن القضاء باعتباره سلطة مستقلة بل كان يندرج في وظائف الإمامة العظمى أو وظائف امارة المؤمنين كما كان يشدد على ذلك الملك الحسن الثاني والملك محمد السادس قبل اعتماد دستور فاتح يوليوز 2011، وهو أمر كان يعود بنا الى مرحلة ما قبل صياغة نظرية مونتسكيو في كتابه "روح القوانين" حول مبدأ فصل السلطات، فمعلوم أن جون لوك الذي كان أول من تحدث عن مبدأ فصل السلطات لم يكن يعتبر القضاء سلطة مستقلة وإنما كان يدرجه في إطار صلاحيات سلطة الملك التي كان يسميها بسلطة التاج، وعليه يكون دستور فاتح يوليوز 2011 قد قطع الى حد كبير مع تصور جون لوك وانخرط في منطق مونتسكيو وذلك بتخصيص الباب السابع منه (من الفصل 107 الى الفصل (128 للحديث عن القضاء كسلطة مستقلة.

    يتمثل المظهر الثالث في الفصل بين صلاحيات الملك كأمير للمؤمنين وصلاحيات الملك كرئيس للدولة، ففي إطار الدساتير الخمسة المؤطرة للملكية الأولى، لم تكن هناك حدود فاصلة بين تلك الصلاحيات، فمن حيث التعبير الدستوري، كان الفصل 19 من تلك الدساتير يعتبر دستورا داخل الدستور، ولم يقم أي حدود في مقتضياته بين المنزلات الثلاث للملك كأمير للمؤمنين أولا وكحكم ثانيا وكرئيس للدولة ثالثا، ومن حيث الممارسة فقد جسد الملك الحسن الثاني ذلك عندما خاطب أعضاء الفريق البرلماني للإتحاد الاشتراكي سنة 1981 غداة الإعلان عن عزمهم على الانسحاب من البرلمان بوصفه أميرا للمؤمنين، واعتبر خروجهم من المؤسسة البرلمانية بمثابة خروج عن "الجماعة"، أما الدستور الجديد المؤطر للملكية الثانية قد فَصَلَ على مستوى النص بين صلاحيات الملك كأمير للمؤمنين المتضمنة في فصله الواحد والأربعين وبين صلاحيات الملك كرئيس للدولة المتضمنة في فصله الثاني والأربعين.

    ان أهمية المظهر الثالث والمتمثل في التمييز بين الصلاحيات الدينية للملك وصلاحياته السياسية تنبع من كونه ينحاز الى المرجعية الحديثة على حساب المرجعية التقليدية، وذلك بالانتقال من مرحلة كان يعتبر فيها "الملك فوق الدستور"، وهو المبدأ الناظم للملكية الأولى، الى مرحلة أصبح يعتبر فيها "الملك خاضعا للدستور"، وهو المبدأ الذي تتأسس عليه الملكية الثانية، ودليل ذلك أن الصلاحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين أصبحت صلاحيات حصرية بمقتضى الفصل 41 من الدستور.

    يتصل المظهر الرابع بالتكريس الدستوري للملكية المواطنة والملك المواطن كما شدد على ذلك خطاب الملك محمد السادس بتاريخ 17 يونيو 2011، وقد تجلى ذلك من خلال التخلي عن اعتبار الملك شخصا مقدسا كما ورد في الفصل 23 من الدساتير الخمسة المؤطرة للملكية الأولى، فقد نقل عن الملك قوله بأن القداسة الله وانه مجرد مواطن، وهو ما وجد ترجمته في دستور فاتح يوليوز 2011 المؤطر للملكية الثانية حيث ورد في فصله 46 أن "شخص الملك لا تنتهك حرمته وللملك واجب التوقير والاحترام".

    ثالثا- أنواع الديمقراطيات المعتمدة في الدستور المغربي الجديد

    يعتمد الدستور المغربي الجديد الذي صادق عليه المغاربة يوم فاتح يوليوز 2011 أربعة أنواع من الديمقراطيات يتمثل أولها في الديمقراطية التمثيلية ويتجلى ثانيها في الديمقراطية شبه المباشرة ويتجسد ثالثها في الديمقراطية المواطنة ويرتبط رابعها بالديمقراطية التشاركية.
    تتمثل الديمقراطية التمثيلية في قيام الناخبين باختيار من يمثلهم في المؤسسات المنتخبة سواء كانت هذه المؤسسات ذات طابع وطني أو ذات طابع محلي، وتلعب الأحزاب السياسية والمركزيات النقابية دورا أساسيا في اضفاء معنى على هذه الديمقراطية من خلال تقديم مرشحيها لتمثيل المواطنين سواء كانت هذه التمثيلية ذات طبيعة سياسية تعبر عن نفسها من خلال الأحزاب السياسية أو ذات طبيعة سوسيو - مهنية تعبر عن نفسها من خلال المركزيات النقابية.

    لتقوية دعامات الديمقراطية التمثيلية خصص الدستور الجديد الفصل السابع منه للأحزاب السياسية بحيث أوكل لها أدوارا تتحدد أساسا في المساهمة في تكوين المواطنين وتأطيرهم سياسيا، اضافة إلى تمثيلهم في المؤسسات المنتخبة، كما خصص الفصل الثامن منه للمركزيات النقابية، وقد نص الدستور على ضرورة إعتماد الأحزاب السياسية والمركزيات النقابية المبادئ الديمقراطية على صعيد تنظيمها وتسييرها، ولتلافي إخضاع دعامات الديمقراطية التمثيلية لهيمنة السلطة التنفيذية فقد نص الفصل التاسع من الدستور على عدم إمكانية "حل الاحزاب السياسية والمنظمات النقابية أو توقيفها من لدن السلطات العمومية إلا بمقتضى مقرر قضائي".

    تتجلى الديمقراطية شبه المباشرة المعتمدة من قبل الدستور الجديد والتي تفيد الرجوع الى الشعب واشراكه في المبادرة التشريعية في ثلاث :اليات الالية الاولى مرتبطة بالاستفتاء حيث يرجع الى الشعب من أجل أخذ رأيه في بعض القضايا من قبيل ما ينص عليه الفصل 172 حيث يشير الى أن للملك ولرئيس الحكومة ولمجلس النواب ولمجلس المستشارين حق اتخاذ المبادرة قصد مراجعة الدستور وللملك أن يعرض مباشرة على الاستفتاء المشروع الذي اتخذ المبادرة بشأنه"، والالية الثانية ذات صلة بحق المواطنات والمواطنين ضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع طبقا للفصل 14 من الدستور.

    أما الآلية الثالثة فذات ارتباط بحق المواطنات والمواطنين في تقديم عرائض الى السلطات العمومية وفق الفصل 15 من الدستور..

    يعتمد الدستور المغربي الجديد الديمقراطية المواطنة كما ورد ذلك في الفقرة الثانية من فصله الأول الذي يتحدث عن الاسس التي يقوم عليها النظام الدستوري بالمغرب، ويستفاد من هذا النوع من الديمقراطية القطع مع مفهوم الديمقراطية الكلاسيكية التي كانت محكومة بضيق المرجعيات الايديولوجية بمختلف تلاوينها، فالديمقراطية المواطنة هي ما أصبح يسمى اليوم بالديمقراطية الجديدة التي تتعامل مع المحكومين باعتبارهم مواطنين ليس لهم الحق في التصويت والترشح والتعبير عن أفكارهم بكل حرية فقط، بل تفيد اضافة الى ذلك حق المحكومين في الاستفادة من ثروات بلادهم فالديمقراطية المواطنة تعمل بجد على استحضار الابعاد السوسيو - اقتصادية بدل التركيز على الابعاد السياسية.

    تتجسد الديمقراطية التشاركية التي أشارت اليها الفقرة الثانية من الفصل الاول من الدستور الجديد في الاخذ بعين الاعتبار مشاركة ممثلي المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في اعداد السياسات العمومية وتنفيذها وتقييمها، وهكذا تنص الفقرة الثالثة من الفصل 13 على أن الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام والمنظمات غير الحكومية تساهم في اعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية وكذا في تفعيلها وتقييمها، وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة طبق ضوابط وكيفيات يحددها القانون"، فقد متعت الفقرة الاولى من هذا الفصل جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية بكامل الحرية لحظة تأسيسها أو خلال ممارسة أنشطتها كما ألزمها بتنظيم شؤونها وفق المبادئ الديمقراطية طبقا للفقرة الخامسة من نفس الفصل، كما جعل القضاء هو الجهة ذات الاختصاص في حل هاته الجمعيات والمنظمات غير الحكومية أو توقيفها طبقا للفقرة الثانية من نفس الفصل، ودائما في اطار تفعيل هذه الديمقراطية التشاركية فقد نص الفصل الثالث عشر من الدستور على ضرورة عمل السلطات العمومية على احداث هيئات للتشاور قصد اشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين في اعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها.

    رابعا- في تحديد طبيعة النظام السياسي المغربي

    على خلاف الدساتير الخمسة التي اعتمدها المغرب، بدءا بدستور 7 دجنبر 1962 وانتهاء بدستور 13 شتنبر 1996 ، والتي يمكن اعتبارها دساتير أطرت فلسفة الحكم في إطار الملكية الأولى، وهي فلسفة ترتكز على إقامة نظام ملكية تنفيذية، فإن دستور فاتح يوليوز 2011، وهو الدستور الذي يدشن بداية مرحلة الملكية الثانية، قد سعى إلى إقامة نظام ملكية متوازنة نسبيا، سواء على مستوى المبادئ أو المقومات المعتمدة.

    1- مبادئ النظام السياسي المغربي

    لقد سعى دستور فاتح يوليوز 2011 إلى تجاوز المبادئ الثلاثة التي كانت معتمدة في الدساتير السابقة:

    أ - إعتمد دستور الجديد مبدأ توازن السلطات، حيث أقر لأول مرة السلطة القضائية وكرس استقلاليتها عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، بعدما كانت الدساتير السابقة تتأسس على مبدأ وحدة السلطة وتوزيع الوظائف.

    ب - نظم كيفية التداول على تدبير الشأن الحكومي بعدما كانت الدساتير السابقة غير واضحة في هذا الشأن، إذ كانت تترك للملك صلاحية تعيين الوزير الأول بصرف النظر عن انتمائه إلى حزب سياسي من عدمه فدستور فاتح يوليوز 2011 حدد قواعد التداول بحيث نص على أن الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب الذي يتصدر نتائج الانتخابات التشريعية طبقا لمقتضيات الفصل 47 من الدستور الجديد.

    ج - كرس مبدأ سمو الدستور بعدما كانت الدساتير السابقة تسير في اتجاه تكريس مبدأ سمو المؤسسة الملكية.

    2 - المقومات الجديدة للنظام السياسي المغربي

    إن المبادئ الثلاثة المشار إليها تحدد إلى حد بعيد طبيعة النظام السياسي المغربي، حيث يمكن مقاربته انطلاقا من معيارين: معيار شكلي يجعل نظام الملكية في المغرب أقرب في جوهره، إلى نظام الجمهورية الخامسة الذي كرسه دستور 1958 في فرنسا، والذي يتأسس على مقومين أساسيين مركزية رئيس الدولة من جهة، وتقليص صلاحيات المؤسسة البرلمانية.

    من جهة أخرى ؛ ومعيار موضوعي يأخذ بعين الاعتبار خصوصية النسق السياسي المغربي وطبيعة موازين القوى القائمة بين مختلف الفاعلين السياسيين. ونحن هنا سنركز في تعاطينا مع طبيعة النظام السياسي المغربي على المعيار الموضوعي.

    يرتكز النظام السياسي المغربي، حسب مقتضيات دستور فاتح يوليوز 2011، على مقومين أساسيين: يتمثل الأول في كون المؤسسة الملكية ضامنة للتوازنات؛ ويتجلى الثاني في تكريس مبدأ تراتبية السلطة في العلاقة بين المؤسسة الملكية ومؤسسة الحكومة.

    بالنسبة إلى المقوم الأول فهو يتمثل في كون الملكية مؤسسة محورية ضابطة للتوازنات، وهذه التوازنات تنقسم إلى توازنات ثقافية واجتماعية وتوازنات مؤسساتية وسياسية.

    على صعيد التوازنات الثقافية والاجتماعية، فهي تنصب على مجال الهوية والحقوق والحريات:
    فيما يتعلق بمجال الهوية، فإنه لأول مرة في الدستور المغربي، يمكن الحديث عن هوية يتم التمييز فيها بين مكوناتها وروافدها، حيث تتشكل مكونات هذه الهوية من المكون العربي الإسلامي والمكون الأمازيغي والمكون الصحراوي الحساني، أما روافد هذه الهوية فتشمل الرافد العبري والرافد الأورومتوسطي والرافد الأندلسي والرافد الإفريقي، كما أن الدين الإسلامي يتبوأ مركز الصدارة في هذه الهوية، والإسلام المشار إليه هو الإسلام الذي يتأسس على قيم الاعتدال والتسامح والانفتاح والحوار.

    أما فيما يتعلق بمجال الحريات والحقوق الاساسية، فالمؤسسة الملكية هي الضامنة لها كما تنص على ذلك مقتضيات الفصل 42 من الدستور الجديد.

    أما على صعيد التوازنات المؤسساتية والسياسية، فتتجلى من خلال مظهرين: يرتبط المظهر الأول بتحييد كل القطاعات والمجالات الاستراتيجية، إذ إن هناك قطاعات لا يمكن تسييسها، أي أنه لا يمكن وضعها رهن إشارة الحكومة، مثل المجالين الأمني والعسكري اللذين يعتبران قطاعين استراتيجيين، لذلك ينبغي أن يكونا مجالين غير خاضعين للتحزيب؛ ويكمن المظهر الثاني في الصلاحيات المخولة للملك في حالة الاستثناء حسب مقتضيات الفصل 59 من الدستور الجديد.

    هذا في ما يعود إلى المقوم الأول، أما المقوم الثاني فيتجلى في تكريس مبدأ تراتبية السلطة في العلاقة بين المؤسسة الملكية ومؤسسة الحكومة، وهنا لا يمكن الحديث عن اقتسام للسلطة بقدر ما يجوز الحديث عن تراتبية على صعيد ممارستها، وهذه التراتبية تعبر عن نفسها من خلال مظاهر وآليات.

    تتجلى مظاهر هذه التراتبية في تمتع الملك بصلاحيات واسعة سواء في الحالات العادية أو في حالة الاستثناء، فهو المسؤول عن السياسة الدينية باعتباره أميرا للمؤمنين كما ينص على ذلك الفصل 41 من الدستور، وهو المسؤول عن تدبير المجالات ذات الطبيعة الاستراتيجية، في حين تعمل الحكومة على تنفيذ القوانين وتطبيق برنامجها الحكومي.

    أما بالنسبة إلى آليات هذه التراتبية، فتعبر عن نفسها من خلال طبيعة الصلاحيات المخولة لكل من المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك والذي ينظر إجمالا في التوجهات الاستراتيجية لسياسية الدولة والمجلس الحكومي الذي يرأسه رئيس الحكومة والذي ينظر في العديد من القضايا ويُعرض أغلبها بعد ذلك على نظر المجلس الوزاري.

    إن الحديث عن تكريس مبدأ تراتبية السلطة في العلاقة بين المؤسسة الملكية ومؤسسة الحكومة لا يتناقض مع مبدأ توازن السلطات فعندما نتحدث عن مبدأ فصل السلطات وتوازنها، يكون القصد من ذلك الاحتفاظ بنوع من المسافة في علاقة السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية أو في علاقة السلطة التنفيذية بالسلطة القضائية، ومعلوم أن دستور فاتح يوليوز 2011 وضع حدودا فاصلة إلى حد بعيد بين هذه السلطات الثلاث، أما الحديث عن مبدأ تراتبية السلطة بين المؤسسة الملكية ومؤسسة الحكومة، فهو حديث عن العلاقة الموجودة بين مكوني السلطة التنفيذية : الملكية من جهة، والحكومة من جهة أخرى.
    التعديل الأخير تم بواسطة أشفيع محمد; الساعة 27 November 2022, 07:22 PM.
يعمل...
X

AdBlock Detected

Please Disable Adblock

Please consider supporting us by disabling the ad blocker.

I've Disabled AdBlock