إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الإطار العام للأنظمة الدستورية ، الدكتور محمد ضريف

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [ درس ] الإطار العام للأنظمة الدستورية ، الدكتور محمد ضريف



    محاضرات الأنظمة الدستورية المقارنة
    القسم الأول الإطار العام للأنظمة الدستورية
    الدكتور محمد ضريف


    يتكون الإطار العام للأنظمة الدستورية من :

    أولا - بعض مداخل دراسة الأنظمة الدستورية
    ثانيا - أصول الأنظمة الدستورية
    ثالثا - معايير تصنيف الأنظمة الدستورية
    رابعا - مقومات التمييز بين الأنظمة الدستورية



    أولا- في مداخل دراسة الأنظمة الدستورية

    في دراستنا للأنظمة الدستورية المقارنة، سنتطرق إلى مدخلين أساسيين:
    - مفهوم النظام السياسي
    - السياقات التاريخية والسياسية لنشأة الانظمة الدستورية

    1. مفهوم النظام السياسي

    يتمثل موضوع القانون الدستوري في تحديد طبيعة النظام السياسي الذي تعتمده الدولة، ونقصد بالنظام السياسي "le régime politique" مجموع الضوابط التي تحدد العلاقة بين المؤسسات السياسية "institutions politiques" دخل نسق سياسي "système politique".
    إن هذا التعريف يستوجب إبداء ثلاث ملاحظات :

    - ترتبط الملاحظة الأولى بالتمييز بين مفهوم النظام السياسي ومفاهيم أخرى، کمفهوم النسق السياسي الذي يعتبر من مفاهيم علم السياسية، حيث يفيد التفاعل الموجود بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني، وكمفهوم الدولة التي تعتبر أم المؤسسات.

    - تتعلق الملاحظة الثانية بتحديد مفهوم المؤسسات السياسية والتي يقصد بها "مجموع الأشكال والبنيات الجوهرية للتنظيم الإجتماعي كما ترسخها القوانين والأعراف داخل مجموعة بشرية"، ويميز "M.duverger" بين الأشكال والبنيات الاجتماعية القائمة في القانون والأخرى القائمة في الواقع، الأولى يطلق عليها اسم مؤسسات سياسية كالحكومة ،والبرلمان والثانية يطلق عليها اسم تنظيمات سياسية "organisations politiques" كالأحزاب السياسية.

    - تكمن الملاحظة الثالثة في كون الضوابط التي تحدد العلاقة بين المؤسسات السياسية تنصب أساسا على العلاقة الموجودة بين مؤسسة الحكومة "السلطة التنفيذية" ومؤسسة البرلمان "السلطة التشريعية"، فطبيعة هذه العلاقة بين المؤسستين هي التي تحدد طبيعة النظام السياسي؛ هل هو نظام سياسي برلماني أم نظام سياسي رئاسي أم نظام شبه رئاسي "مختلط".

    2. السياقات التاريخية والسياسية لنشأة الأنظمة الدستورية: الدولة الحديثة

    هناك ثلاثة عوامل ساهمت في نشأة الأنظمة السياسية:

    - أولها ظهور نظرية الحقوق الفردية وتسمى كذلك نظرية الحقوق الطبيعية، وقد ارتبطت هذه النظرية بـ "جون لوك" في القرن 17 و "جون جاك روسو"، وهي نظرية تعتبر أن الانسان يتمتع بمجموعة من الحقوق سابقة في وجودها على وجود الدولة، وأن وظيفة الدولة هي حماية هذه الحقوق، وتستند نظرية الحقوق الفردية أو الطبيعية على مبدئين : الحرية والمساواة.

    - ثانيها صياغة مبدأ الفصل بين السلطات، حيث كان "جون لوك" سنة 1689 أول من تحدث عن مبدأ فصل السلطات وميز بين أربع سلطات: السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية المكلفة بالشؤون الداخلية والسلطة التنفيذية المكلفة بالشؤون الخارجية وسلطة التاج "الملك"، ويلاحظ أن "جون لوك" لم يعتبر القضاء سلطة مستقلة، بل كان يعتبره مندرجا ضمن صلاحيات التاج "الملك"، هذا التقسيم الرباعي للسلطات تُجُووز عندما صاغ "مونتيسكيو" في كتابه "روح القوانين" الصادر سنة 1748 تقسيما ثلاثيا للسلطات السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية.

    - ثالثها انتشار الايديولوجيا الدستورانية، وهي الايديولوجيا التي ربطت بين وجود الدولة وضرورة اعتماد دستور يتأسس على مبدأ فصل السلطات وتحصين حقوق وحريات المحكومين.

    إن هذه العوامل الثلاثة ساهمت في نشأة الدولة الحديثة متجسدة في النموذج اليعقوبي للدولة الذي بلورته الثورة الفرنسية سنة 1789 ، حيث حاولت هذه الاخيرة إعطاء تصور معين للدولة بشكل تكون فيه الدولة مؤسسة محايدة وسيدة نفسها وغير تابعة للكنيسة.

    تتصف الدولة اليعقوبية بمجموعة من الخصائص :

    أولا - هي دولة مركزية، أي انها تعتمد مركزة السلطة السياسية من اجل توحيد موقف الدولة في القضايا الداخلية والدولية، مما يعني مركزة القرار السياسي، لكن ذلك لا يفيد شخصنة السلطة أو شخصنة القرار.

    فرضت مركزية السلطة السياسية نفسها كمحاولة لتجاوز النمط الفيودالي الذي تميز بتشرذم السلطة، وبإلغاء التباين في اتخاذ القرارات السياسية، لأن الدولة الفيودالية كانت تحكمها العديد من مراكز السلطة المتطاحنة فيما بينها، مما أفضى الى إضعاف الدولة، في حين أن الدولة اليعقوبية اصبحت تتوفر على مركز وحيد لاتخاذ القرارات.

    ثانيا - هي دولة تعتمد القانون الوضعي، وذلك للقطع مع القواعد التي تستمد من الدين أو القواعد التي تستمد من القانون الطبيعي، فالدولة اليعقوبية هي دولة سيدة، لا توجد قوة تعلو عليها حيث لا تخضع لقوة خارجة عنها، والقول بان الدولة اليعقوبية سيدة نفسها هو قول يدفعنا الى الإقرار بكونها هي مصدر كل القيم اضافة الى طابعها العلماني، والعلمانية تطرح هنا بدلالتين مختلفتين

    - الدلالة الانجلوسكسونية التي تفيد ان العلمانية هي عملية تحرير الفرد من الروابط الجماعية، مما يجعلها قريبة من مفهوم "الفردانية".

    - الدلالة الفرنسية التي تنظر الى العلمانية على انها تحرير مجالي التعليم والأحوال الشخصية من رقابة الكنيسة.

    ثالثا - هي دولة تعتمد الديمقراطية التمثيلية، حيث ان الشعب لا يمارس الحكم بنفسه وإنما يمارسه بواسطة ممثليه، وهذه الديمقراطية تتأسس على نظرية التفويض التمثيلي وليس على نظرية التفويض الأمري الذي كان يسمح للناخبين بعزل المنتخبين فنظرية التفويض التمثيلي تتصف بعدة خصائص منها:
    - أن المنتخب يمثل الأمة وليس الدائرة التي انتخبته.
    - أن المنتخب لا يمكن عزله من قبل الناخبين خلال ولايته الانتخابية .

    ان الديمقراطية التمثيلية هي في الواقع الغاء للحواجز بين الشعب والسلطة وذلك بالانتخاب. إن الدولة اليعقوبية تريد ان تكون نموذجا كونيا صالحا للتطبيق في كل المجتمعات غير مبالية بمنطق الخصوصية الذي تتحصن وراءه كثير من النخب الحاكمة في دول العالم الثالث، لذلك فنموذج الدولة اليعقوبية يعتبر قضية الديمقراطية وحقوق الانسان قضية كونية لا ينبغي لجمها بإسم الأصالة أو الخصوصية.

    ثانيا- في أصول الانظمة السياسية

    لا يمكن التعرف على تطور مسار التجارب الدستورية الحديثة دون التوقف عند أهم محطات التاريخ السياسي في انجلترا منذ سنة 1215 تاريخ اصدار "العهد الأعظم" (الماغنا کارتا)، حيث بمقتضاه إعترف ل "مجلس المملكة المشترك" بحق الموافقة على الضرائب وتقديم العرائض.

    تشكل مجلس "الماغنوم "كونسيليوم" في البداية من فئتين وهما فئة النبلاء وفئة رجال الدين قبل ان تنضم اليه فئة ممثلي الطبقة الوسطى إبتداء من 25 يناير 1265 ، وهو اليوم الذي اعتبر يوم ظهور البرلمان في انجلترا.

    تكرست هذه التمثيلية رسميا أي تمثيلية الطبقة الوسطى سنة 1295 تاريخ انعقاد الجمعية الأولى المعروفة ب "البرلمان المثالي"، هذا البرلمان سينقسم في القرن الرابع عشر إلى غرفتين، وذلك لاعتبارات تتعلق بالمنحدر الاجتماعي، بحيث أصبح ممثلو الطبقة الوسطى يجتمعون بمفردهم للتداول، وهو نفس ما قام به ممثلو النبلاء ورجال الدين.

    تكرس هذا الفصل نهائيا سنة 1351 وذلك بتوفر ممثلي الطبقة الوسطى على مكان خاص بهم للاجتماع وأصبح يسمى ب"مجلس العموم" وأصبح له رئيس يدير جلساته ابتداء من سنة 1377.

    أصبح أعضاء البرلمان (مجلس العموم + مجلس اللوردات) هم الذين يختصون بتقديم مشاريع القوانين ابتداء من سنة 1462، فإذا حصل الإتفاق بين أعضاء المجلسين لم يعد أمام الملك من خيار الا إعطاء الأمر باصدار القانون.

    بوصول سلالة "ال أورانج" إلى الحكم سنة 1668 بعد مد و جزر عاشتهما الحياة السياسية الانجليزية، تكرس النظام التمثيلي حيث استلم الملك الجديد العرش بناء على اتفاق مع البرلمان وصدر في السنة الموالية (1669) بيان الحقوق وكان من بين أهم ما تضمنه هذا البيان تنازل الملك عن حق التشريع لفائدة البرلمان.

    لقد تكرس نظام تمثيلي في انجلترا في القرن السابع عشر والذي كان يقوم على فصل "جامد" بين السلطة التنفيذية التي يمارسها الملك والسلطة التشريعية التي يمارسها البرلمان.

    عندما حصلت الولايات المتحدة الامريكية على استقلالها بعدما كانت مستعمرة إنجليزية سنة 1776، لم تجد أمامها أي نموذج للأنظمة الدستورية غير ذلك الذي كان قائما في انجلترا حيث اقتبسته ووضعته في قالب جمهوري كما جسد ذلك دستورها الصادر سنة 1787 والذي يعتبر أول دستور مكتوب في العالم الحديث إعتمدته الديمقراطيات الليبيرالية وهو النظام السياسي الذي يسميه الفقه الدستوري بالنظام السياسي الرئاسي، فهذا النظام في الواقع هو نفسه النظام الذي كان معتمدا في انجلترا في القرن السابع عشر.

    تطورت التجربة الدستورية في انجلترا لتنتهي الى إقامة النظام السياسي البرلماني المرتكز على مبدأ: "الملك يسود ولا يحكم"، وهكذا وجدت أغلب الدول نفسها عقودا بعد ذلك مخيرة بين إعتماد النظام السياسي البرلماني أو اعتماد النظام السياسي الرئاسي.

    اعتمدت كثير من الدول الأوربية ابتداء من القرن التاسع عشر النظام السياسي البرلماني في إطار ملكي حيث أرسيت قواعده في بلجيكا سنة 1831 وهولندا نهاية القرن التاسع عشر والنرويج والدنمارك والسويد بين سنوات 1900 و1914، وكانت أول جمهورية ستعتمده في القرن التاسع عشر هي فرنسا في ظل الجمهورية الثالثة سنة 1875، وهو نفس النظام السياسي الذي اعتمدته الجمهورية الرابعة في فرنسا سنة 1946 ، أما النظام السياسي الرئاسي الذي اشتغل في القرن السابع عشر في انجلترا في ظل الملكية واعتمدته الولايات المتحدة الامريكية بعد استقلالها، فقد طبقته فرنسا بين سنوات 1848 و1851 في ظل الجمهورية الثانية.

    إن شارل دوغول عندما كلف بوضع مشروع دستور جديد سواء للجمهورية الرابعة سنة 1946 أو للجمهورية الخامسة سنة 1958 لم يجد أمامه إلا نموذجين للأنظمة الدستورية وهما النظام السياسي الرئاسي والنظام السياسي البرلماني، وقد كان مقتنعا بأن أي نظام منهما لا يصلح لضمان الإستقرار السياسي لفرنسا، لذلك عندما لم يوافق الشعب الفرنسي على مشروع دستوره سنة 1946 تراجع الى الخلف ليعود سنة 1958 الى الواجهة بعد مصادقة الشعب على مشروع دستوره سنة 1958، والذي كان يكرس نظاما جديدا وهو في الحقيقة لم يكن إلا عبارة عن مزج بين مواصفات النظام السياسي الرئاسي ومواصفات النظام السياسي البرلماني، وهو النظام السياسي الذي يسميه الفقه الدستوري بالنظام شبه الرئاسي أو النظام المختلط.

    ثالثا- في معايير تصنيف الأنظمة الدستورية

    ترتكز الأنظمة السياسية الحديثة على مبدأ فصل السلطات كما صاغه مونتيسكيو في كتابه "روح القوانين" الصادر سنة 1748، حيث يميز بين ثلاث سلطات، سلطة تشريعية وسلطة تنفيذية وسلطة قضائية.

    إن تطور التجربة الدستورية داخل الديمقراطيات الليبيرالية عموما هو الذي أفضى إلى احداث تمايز بين الأنظمة السياسية، ليس انطلاقا من اعتماد مبدأ فصل السلطات، فهذا الاعتماد يشكل جوهر الدساتير الديمقراطية، كما يشدد على ذلك الفصل السادس عشر من اعلان حقوق الانسان والمواطن، الصادر عن الثورة الفرنسية سنة 1789، والذي ينص على "أن كل دستور يخلو من ضمان الحقوق ومن فصل للسلطات فهو لا يعتبر ،دستورا، وإنما مرجع هذا التمايز يكمن في كيفية تصريف هذا المبدأ؛ أي مبدأ فصل السلطات.

    يصنف الفقه الدستوري الأنظمة السياسية عادة إستنادا إلى معيارين: معيار طبيعة الفصل بين السلطات أولا، ومعيار توازنها ثانيا.

    يرتكز المعيار الأول للتصنيف بين الانظمة السياسية على طبيعة الفصل بين السلطات من خلال الإحالة على صورتين صورة الفصل المرن وصورة الفصل الجامد..
    • الصورة الاولى، أي الفصل المرن يجسدها النظام السياسي البرلماني كما هو معمول به في بريطانيا.
    • الصورة الثانية أي الفصل الجامد، فيمثلها النظام السياسي الرئاسي وهي حالة النظام السياسي المعمول به في الولايات المتحدة الأمريكية.
    إن هذا المعيار أي طبيعة الفصل بين السلطات سواء كان فصلا مرنا أو فصلا جامدا لا يأخذ بعين الاعتبار إلا علاقة البرلمان بالحكومة، ويبدو أن تحديد صور فصل السلطات انطلاقا من هذا المعيار أي معيار العلاقة بين الحكومة والبرلمان قد لا يساهم في تحديد طبيعة النظام السياسي بشكل واضح، ما دام أن فصل السلطات يظل في جميع الأنظمة السياسية فصلا نسبيا.

    يتأسس المعيار الثاني لتصنيف الأنظمة السياسية على توازن السلطات، فإذا كان هناك توازن بين السلطات فهذا يفضي إلى قيام نظام سياسي برلماني، أما إذا اختل التوازن فسيؤدي الى ثلاث حالات:
    • تتجلى الحالة الأولى في تركيز السلطات في هيئة واحدة، وهذا ما جسدته الأنظمة السياسية الشمولية بامتياز.
    • ترتبط الحالة الثانية بهيمنة السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية وهي حالة نظام الجمعية أو النظام المجلسي كما هو معمول به في الفدرالية السويسرية.
    • تتعلق الحالة الثالثة بهيمنة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية وهي حالة النظام شبه الرئاسي أو المختلط القائم في فرنسا منذ 1958 في ظل الجمهورية الخامسة.
    ان اعتماد معیار توازن السلطات قد لا يساعد على تحديد طبيعة الأنظمة السياسية مادام أنه ليست هناك مقاييس موحدة للحديث عن وجود توازن من عدمه فمن الصعب القول أن النظام السياسي البرلماني هو نظام يتسم بتوازن السلطات.

    إنطلاقا من الانتقادات الموجهة الى المعيارين المعتمدين لتصنيف الانظمة السياسية، حرصت الكثير من الدساتير على المزج بينهما، ونذكر على سبيل المثال ما ورد في الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور المغربي الجديد، دستور فاتح يوليوز 2011 الذي ينص على أن النظام الدستوري المغربي يقوم على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها.

    رابعا- في مقومات التمييز بين الأنظمة الدستورية

    هناك مجموعة من المقومات هي التي تساعد على التمييز بين مختلف الأنظمة السياسية؛ هل هي أنظمة برلمانية أم أنظمة رئاسية أم أنظمة شبه رئاسية أم أنظمة مجلسية؟

    أ- مقومات النظام السياسي البرلماني

    يمثل النظام السياسي القائم في بريطانيا نموذجا للنظام السياسي البرلماني، وهو نظام سياسي يرتكز على ثلاثة مقومات:
    • المقوم الأول: يعبر عن نفسه من خلال انعدام التكافؤ بين صلاحيات مكونات السلطة التنفيذية حيث يمارس رئيس الدولة سلطة شكلية وتمارس الحكومة سلطة فعلية.
    • المقوم الثاني: ذو ارتباط بالمسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان وهو مقوم رئيسي للنظام السياسي البرلماني حيث يقصد بمسؤولية الحكومة السياسية أمران أساسيان : تنصيب البرلمان للحكومة من جهة وحق البرلمان في إسقاط الحكومة من جهة أخرى، وذلك بواسطة آليتين:
    - الأولى تحركها الحكومة عندما تطلب من البرلمان "تصويت ثقة" فيحجبها عنها .
    - الثانية يحركها أعضاء مجلس النواب من خلال تقديم ملتمس رقابة يحظى بالموافقة.
    • المقوم الثالث: ذو صلة بحق الحكومة في حل البرلمان، وتلجأ الحكومة في الأنظمة السياسية البرلمانية عموما الى استعمال هذا الحق في حالتين:
    - ترتبط الحالة الاولى غالبا باقتراب نهاية ولاية الغرفة الأولى عندما تدرك الحكومة أن اجراء انتخابات سابقة لأوانها ستكون نتائجها لفائدتها.
    - ترتبط الحالة الثانية باعتماد الحكومة لخيارات جديدة لم يتضمنها برنامجها الانتخابي الذي وصلت بمقتضاه الى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع.

    ب- مقومات النظام السياسي الرئاسي

    يمثل النظام السياسي القائم في الولايات المتحدة الأمريكية نموذجا للنظام السياسي الرئاسي، وهو نظام سياسي يرتكز على مقومين:
    • المقوم الأول: يتصل باحتكار رئيس الدولة للسلطة التنفيذية والتي تتجلى من خلال مظهرين:
    - المظهر الأول: أحادية السلطة التنفيذية حيث يجسد رئيس الدولة السلطة التنفيذية، فهو لا يتوفر على حكومة بالمفهوم الدستوري، وبالتالي لا يوجد وزير أول أو رئيس للحكومة، ولا يوجد ما يسمى بمجلس الوزراء كما لا توجد مسؤولية وزارية تفضي إلى تضامن وزاري، فرئيس الدولة يتوفر فقط على جهاز من المساعدين الذين وإن كان تعيينهم يحتاج إلى موافقة مجلس الشيوخ، فهذه الموافقة لا تمس في شيء سلطة الرئيس عليهم، فهم تابعون له سواء في تعيينهم أو في إقالتهم، فرئيس الدولة هو في نفس الوقت رئيس الجهاز التنفيذي ومسعدوه مجرد منفذين لتعليماته وسياساته.

    - المظهر الثاني: فعلية سلطة رئيس الدولة، حيث يمارس سلطة فعلية، وفعلية هذه السلطة تستند إلا مبرر أساسي يكمن في كونه منتخبا من قبل الشعب، وإن كان هذا الانتخاب غير مباشر، وللتذكير فإن رئيس الدولة ينتخب لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وهذا التحديد الاخير أصبح قاعدة دستورية مكتوبة بعدما كان عرفا، وذلك من خلال التعديل 22 للدستور الأمريكي الصادر سنة 1947 والذي دخل حيز التنفيذ سنة 1951.

    هذا على مستوى مبرر فعلية سلطة الرئيس، أما تجليتها فتتضح من خلال ما يتمتع به رئيس الدولة من صلاحيات واسعة سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي.
    • المقوم الثاني: يرتبط باستقلالية السلطات العامة، فالنظام الرئاسي يتأسس على إستقلالية السلطات العامة بعضها عن بعض، فهذا النظام يستند في مرجعيته النظرية على مبدأ فصل السلطات كما صاغه "مونتيسكيو" في "روح القوانين، ويرجع مصدر إستقلالية السلطات العامة بعضها عن بعض إلى كون كل واحدة منها تتمتع بنوع من التفويض الشعبي عبر انبثاقها من الإنتخاب الشعبي سواء كان مباشرا أو غير مباشر:
    - السلطة القضائية: حيث ان القضاة ينتخبون في الولايات المتحدة الأمريكية باستثناء قضاة المحكمة العليا الفدرالية الذين يعينهم رئيس الدولة مدى الحياة بموافقة أغلبية مجلس الشيوخ، وعددهم 9 قضاة لا يمكن نقلهم أو عزلهم، ويعتبر رئيس المحكمة العليا الفدرالية ثاني شخصية في الدولة بعد الرئيس.

    - السلطة التنفيذية: حيث يستمد رئيس الدولة استقلاليته من كونه يحضى بتفويض شعبي من خلال انتخابه من قبل الشعب، لذلك فهو غير مسؤول سياسيا أمام مجلسي الكونغرس، كما أن مساعديه يعتبرون تابعين له، فهو الذي يعينهم، وموافقة مجلس الشيوخ تضل مجرد "إقرار".

    - السلطة التشريعية: حيث يتكون الكونغرس الأمريكي من مجلسين : مجلس النواب ومجلس الشيوخ، فسلطة البرلمان في النظام الرئاسي هي أقوى من سلطة البرلمان في النظام البرلماني، وهذه القوة تتجسد من خلال ما يتمتع به من استقلالية تجاه السلطة التنفيذية، فرئيس الدولة لا يملك صلاحية دعوة الكونغرس للانعقاد أو فض دوراته أو حله، كما أن رئيس الدولة ليس له رسميا حق اقتراح القوانين، وتأكيدا لهذه الاستقلالية أصدرت المحكمة العليا الفدرالية سنة 1937 قرارا بمقتضاه لا يمكن للكونغرس تفويض صلاحياته التشريعية إلى السلطة التنفيذية.

    ج - مقومات النظام السياسي شبه الرئاسي

    يمثل النظام السياسي القائم في فرنسا منذ سنة 1958 في إطار الجمهورية الخامسة نموذجا للنظام السياسي شبه الرئاسي، والذي يسمى كذلك بالنظام السياسي المختلط، وهو نظام يجمع بين مواصفات النظام السياسي البرلماني والنظام السياسي الرئاسي حيث يرتكز على مقومين:
    • المقوم الأول: وجود سلطة تنفيذية ذات راسين بصلاحيات متكافئة حيث تقتسم السلطة بين رئيس الدولة المنتخب من قبل الشعب بالإقتراع العام المباشر ورئيس الوزراء الحاصل حزبه على الأغلبية في الجمعية الوطنية وللتذكير فإن دستور 1958 حدد مدة ولاية الرئيس في 7 سنوات قابلة للتجديد إلى ما لا نهاية غير أنه في عهد الرئيس جاك شيراك أدخل تعديل على الدستور سنة 2002 بموجبه قلصت مدة الولاية إلى 5 سنوات، كما أدخل تعديل آخر على الدستور في عهد الرئيس ساركوزي سنة 2008 بمقتضاه حدد عدد ولايات الرئيس حيث أصبحت ولاية رئيس الجمهورية 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.
    • المقوم الثاني: تقليص سلطة المؤسسة البرلمانية، ويتجلى هذا التقليص من خلال ثلاثة مجالات:
    1- مجال التشريع
    يتجلى تقليص سلطة المؤسسة البرلمانية في مجال التشريع في الآتي:
    - تحديد مجال القانون
    - إخضاع مجال القانون للمراقبة
    - تجاوز سلطة البرلمان في مجال التشريع
    - عدم منح الأولوية لمقترحات القوانين

    2- مجال المصادقة على الميزانية

    قلص دستور 1958 سلطة البرلمان في مجال المصادقة على الميزانية، وذلك بإخضاع هذه السلطة لقيد زمني، فعندما يحال مشروع قانون المالية على الجمعية الوطنية، فإن هذه الأخيرة يجب عليها أن تناقشه وتبث فيه قبولا أو رفضا خلال 40 يوما من تاريخ الإحالة، وإلا عرض على مجلس الشيوخ للنظر فيه خلال 20 يوما فإذا لم يتمكن مجلس الشيوخ من إنهاء مداولاته، فإن المشروع يعاد عرضه على الجمعية الوطنية والتي تتوفر على 10 أيام للبث فيه، أي أن البرلمان مقيد زمنيا بمدة 70 يوما للمصادقة على مشروع قانون المالية من عدمها، وعند انصرام هذه المدة فالحكومة إذا رغبت في ذلك بإمكانها تمديد أجل المناقشة أو إصدار أمر بتنفيذه بمقتضى مرسوم.

    3- مجال مراقبة العمل الحكومي

    أضعف دستور 1958 سلطة البرلمان في مراقبة مجال العمل الحكومي، وذلك من خلال إفراغ بعض وسائل المراقبة من محتواها أو تقييدها من خلال ثلاث وسائل :
    • الوسيلة الأولى: الأسئلة الشفوية والتي تنقسم إلى أسئلة لا يتبعها نقاش وأسئلة يتبعها نقاش وأسئلة قضايا الساعة، وهي جميعها لا يعقبها تصويت.
    • الوسيلة الثانية: لجان البحث أفرغ المشرع لجان البحث كوسيلة فعالة من وسائل العمل الحكومي من محتواها هي الأخرى، ومن مظاهر هذا الإفراغ:
    أ- الاعتماد في تشكيلها على الأغلبية وليس على التمثيل النسبي
    ب - تحديد المدة الزمنية لإشتغالها في البداية في 4 أشهر، وابتداء من سنة 1977 تحددت المدة في 6 أشهر،
    ج - توقفها عن العمل بمجرد تولي القضاء البحث في الموضوع الموكول إليها.
    • الوسيلة الثالثة: ملتمس الرقابة، فقد أحاط دستور 1958 اللجوء إلى تحريك ملتمس الرقابة ضد الحكومة من قبل الجمعية الوطنية ببعض التقييد منه:
    - توقيع عشر أعضاء الجمعية الوطنية عليه على الأقل لطرحه.
    - إنصرام 48 ساعة على ايداعه قبل الشروع في التصويت عليه.
    - حصوله على الأغلبية المطلقة لأعضاء الجمعية الوطنية ليصبح نافذا، وليس مجرد أغلبية النواب الحاضرين.
    - منع طرح ملتمس رقابة جديد في حالة رفض الملتمس الأول خلال نفس الدورة التشريعية.

    د- مقومات النظام السياسي المجلسي

    يمثل النظام السياسي القائم في الفيدرالية السويسرية نموذجا للنظام السياسي المجلسي، ويطلق عليها كذلك نظام الجمعية حيث يرتكز على مقومين أساسيين:
    • المقوم الأول: يكمن في كون البرلمان هو مصدر جميع السلطات.
    يطلق على البرلمان اسم الجمعية الفيدرالية والتي تتكون من مجلسين: المجلس الوطني ومجلس المقاطعات والمجلسان معا يتمتعان بصلاحيات متساوية وكل مجلس يتخد قراراته بمفرده إلا أن هناك قضايا تتطلب إجتماعهما في شكل هيئة مشتركة وهي :
    - إنتخاب أعضاء المجلس الفيديرالي "الحكومة".
    - انتخاب رئيس الإتحاد.
    - اختيار أعضاء المحكمة الفيدرالية.
    - اختيار القائد العام للجيش.
    - البث في تنازع الصلاحيات بين الأجهزة الفيدرالية.
    - ممارسة حق العفو.

    من خلال إستعراض صلاحيات الجمعية الفدرالية "البرلمان"، يبدو أن البرلمان السويسري يجسد أصل جميع السلطات، سواء التشريعية أو التنفيذية أو القضائية، وبهذا الاعتبار، تكون السلطة التنفيذية مجرد سلطة منبثقة عنه وتابعة له.
    • المقوم الثاني: يتعلق ب "جماعية" السلطة التنفيذية.
    تحمل السلطة التنفيذية اسم "المجلس الفدرالي"، وتتألف من 7 أعضاء تختارهم الجمعية الفدرالية "البرلمان" لمدة 4 سنوات والجمعية الفدرالي تختار كذلك من بين هؤلاء السبعة واحدا منهم ليكون رئيسا للإتحاد وتتحدد مدة ولاية رئيس الإتحاد في سنة غير قابلة للتجديد، كما تختار نائبا له، وإذا كان رئيس الإتحاد نظريا يقوم بمهام رئيس الدولة، إلا أن هذه "الرئاسة" هي رئاسة صورية، ذلك أن من خاصيات السلطة التنفيذية التي يجسدها المجلس الفدرالي أنها تعمل بشكل "جماعي" و هذا الطابع الجماعي يتجلى من خلال ثلاثة مؤشرات :
    • المؤشر الأول: يكمن في كون صلاحيات الأعضاء السبعة المشكلين للمجلس الفدرالي هي متساوية حيث يقومون بتوزيع المهام فيما بينهم بالتساوي.
    • المؤشر الثاني: يعود إلى قصر مدة ولاية رئيس الإتحاد، وهي سنة واحدة، حيث لا تمكنه من تكوين سلطة تميزه عن باقي الأعضاء.
    • المؤشر الثالث: يتعلق بكون المجلس الفدرالي لا يمكنه الإجتماع إلا بحضور أربعة أعضاء منه على الأقل، إذ أن القانون يشترط حصول الأغلبية المطلقة.
يعمل...
X

AdBlock Detected

Please Disable Adblock

Please consider supporting us by disabling the ad blocker.

I've Disabled AdBlock